الأكثر مرونة هو الأكثر سيطرة و تأثيراً
لدينا فرضية في البرمجة العصبية تقول : إن الشخص الذي لديه مرونة عالية في التفكير و السلوك هو الذي تكون لديه سيطرة و تحكم أكبر في الأوضاع .
ويختصرها البعض بقوله : إن الأكثر مرونة هو الأكثر سيطرة وتأثيرا .
إن المرونة هي القدرة على التغيير ، تغيير أي شيء من روتين الحياة من العادات من السلوكيات من طرق التفكير من استراتيجيات التعامل .. أي شيء يمكن تغييره فيما عدا الثوابت .
إن قدرتك على التغيير تكسبك خيارات جديدة ، و تجعلك في سعة من أمرك ، و تجدد حياتك بشكل يدفع الملل والسأم وتحررك من أسر الروتين وسجن العادة ، و هذا كله يجعل حياتك أرحب و أسهل شرط أن يكون التغيير إيجابيا محسوب العواقب والآثار .
ونركز هنا على التوجيهات الإسلامية المتعلقة بهذا الموضوع ، ونبين أن ديننا العظيم قد راعى هذا الجانب في توجيهاته المختلفة ، وربى أبناءه على المرونة ، وأن من أعظم الشواهد على ذلك ( صيام رمضان ) الذي هو ركن من أركان الإسلام وصيامه فرض عين على المكلفين من أبناء الإسلام ، حيث يدرب المسلم على التغيير ويكسبه المرونة ، في نظامه العبادي و الغذائي والاجتماعي والسلوكي ، بشكل إيجابي مقصود يترك آثارا إيجابية لا حصر لها .
ومثل ذلك الحج والعمرة ، وما فيها من تغييرات متعددة تعلم المسلم أشياء لم يعتد عليها في سائر حياته و من أبرزها ، لبس الإحرام للرجال و محظورات الإحرام للرجال و النساء ، والمتأمل في حكمها ومقاصدها يجد إيجابياتها أكبر من أن تحصر .
هذا فضلا عن النصوص الصريحة التي تحث على المرونة وتأمر بها ، كحث الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم التزام المسلم نمطا من الحياة روتينيا محددا في قوله عليه الصلاة والسلام : ( إخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ) .
وأود هنا أن أشير إلى أن البرمجة العصبية اللغوية تعلمنا أن الجزء المرن في أي منظومة ، يكون غالبا هو الأكثر تأثيرا في قيادتها وتوجيهها .. ولا يقتصر ذلك على المنظومات البشرية والاجتماعية ، بل هي قاعدة صحيحة حتى في المنظومات الآلية ..
فالسفينة الضخمة العملاقة التي تمخر العباب حاملة آلاف الأطنان ، لها في مؤخرتها السفلى أجزاء مرنة متغيرة منها الدفة و المراوح ، هذه الأجزاء الصغيرة المرنة هي المتحكمة في تحريك وتوجيه هذا الكيان الضخم الكبير .. والطائرات العملاقة التي تحمل مئات الأطنان وتسبح بها في الفضاء لها جنيحات صغيرة هي عبارة عن أجزاء مرنة في مؤخرة جناحي الطائرة ومؤخرة ذنبها ، وهذه الأجزاء الصغيرة المرنة هي المتحكمة في توجيه هذا الطائرة العملاقة ارتفاعا وانخفاضا وانعطافا إلى اليمين أو اليسار .
لنكن جميعا والدعاة خاصة مثل دفة السفينة ، لم يضرها أن تكون صغيرة ، ولم يضرها أن تكون في المؤخرة ، ولم يضرها أن تكون مغمورة تحت سطح الماء لا يراها أحد ، فهي بحركتها ومرونتها العالية هي المحرك والدافع والموجه لهذا الكيان الضخم العملاق ، ولو تصلبت أو توقفت ، لتوقفت حركة الفلك وتعطلت فائدتها بل ربما غرقت بمن فيها وما فيها في لجة الخضم.
وأود أن أشير هنا إلى أننا نعني بالمرونة القدرة على التكيف الإيجابي المقصود والمحسوب مع الظروف والأحوال والمواقف المختلفة ، بناء على الفقه العميق للسياقات والأطر ، و الحساب الدقيق للمصالح والمفاسد .
وعلى الداعية أن يكون مرنا بهذا المفهوم ( التكيف الإيجابي المحسوب ) ، لا بمفهوم المجاراة السلبية ، التي هي لون من الضعف والتبعية ، إذ المقصود أن يكون قائدا قدوة موجها مؤثرا ، لا أن يكون إمّعة يعطي الدنية في دينه .
وسأحاول تلخيص أهم الجوانب التي ينبغي أن يكون فيها الداعية مرنا مرونة عالية يستطيع بها التغيير نحو الأفضل :
1- في الصبر و التحمل والاحتساب .
2- في الرفق ولين الجانب .
3- في التعامل مع الشرائح و الأنماط والفئات المختلفة في ثقافاتها و اهتماماتها وطرق تفكيرها وسلوكياتها المختلفة كل بحسبه .
4- في فهم واستيعاب وجهات النظر المخالفة ومعرفة مقاصدها ومنطلقاتها والتعامل الإيجابي معها .
5- في استيعاب متغيرات عصره ومستجدات حياة الناس وفهمها الفهم الدقيق الذي يستطيع معه القياس والاجتهاد على بصيرة .
6- في إدارة الذات بما يضمن ضبط النفس في التفكير والانفعالات والتصرفات والتجرد من حظ النفس والانتصار للحق وحده .
7- في إدارة الوقت بما يضمن إيتاء كل ذي حق حقه .
8- في التلوين في الأساليب والطرق والاستراتيجيات والاجتهاد في التجديد والابتكار فيها بما يكون هو الأنسب للموقف الذي هو فيه .
9- في الإفادة من علوم وتجارب الآخرين ، وتقنيات العصر المختلفة ، بما يخدم رسالته السامية ، و ليكن دائم البحث عن الحكمة التي هي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها .
10- في التعلم الدائم والإفادة من الأخطاء ومن نقد الآخرين .