ABO ADM المدير العام للمنتدى
الجنس :
المشاركات : 2184
| موضوع: {{ الشعرة البيضاء }} 19/3/2012, 10:54 am | |
|
(( الشعرة البيضاء ))
مررتُ صباح اليوم أمام المرآة , فلمحت في رأسي شعرة بيضاء , تلمع في تلك اللمة السوداء , لمعانَ شرارة البرق في الليلة الظلماء .
رأيت الشعرة البيضاء في مَفرقي فارتعت لمرآها كأنما خـُيِّـل إليَّ أنها السيف جرّده القضاء على رأسي , أو عَلـَمٌ أبيض يحمله رسول جاء من عالم الغيب ينذرني باقتراب الأجل , أو يأسٌ قاتل عرض دون الأمــل , أو جذوة نار علقت بأهداب حياتي علوقها بالحطب الجزل , ولا بدّ لها مهما ترفقتْ في مشيتها واتـَّـأدت في مسيرها من أن تبلغ مداها , أو خيط من خيوط الكفن الذي تنسجه يد الدهر وتـُعده لباساً لجثتي عندما تجردها من لباسها يد الغاسل .
أيتها الشعرة البيضاء ! ما رأيت بياضاً أشبه بالسواد من بياضك , ولا نوراً أقرب إلى الظلمة من نورك . لقد أبغضت من أجلك كلّ بياض حتى بياض القمر , وكل نور حتى نور البصر , وأحببتُ فيك كلّ سواد حتى سواد الغربان , وكل ظلام حتى ظلام الوجدان .
أيتها الشعرة البيضاء ! ليت شعري من أي نافذة خَلصت إلى رأسي ؟ وفي أي مسلك من مسالك الدهر مشيت إلى فودي ؟
كيف طاب لك المقام في هذه الأرض الموحشة التي لا تجدين فيها أنيساً يسامرك , ولا جليساً يساهرك وكيف لم يُرَع ْ قلـبُـك لمنظر هذا الليل الفاحم ولمْ يَعْـشَ بصرُك في هذا الظلام القاتم ؟
أيها الشعرة البيضاء ! لقد عييتُ بأمرك , وبَعلتُ بحملك , وأصبحت لا أعرف وجه الحيلة في البعد عنك , والفرار من وجهك .
لا ينفعني معك أن أنزعكِ من مكانك , لأنك لا تلبثين أن تعودي إليه , ولا ينقذني منك أن أخضـِّبك بالسواد , لأنك لا تلبثين أن تنصلي ولأني لا أحب أن أجمع على نفسي بين مصيبتين : مصيبة الشيب , ومصيبة الكذب .
أيتها الشعرة البيضاء ! يخيّـلُ إليّ وأنا أنظر إليك أنك من ذوات الحيلة والدهاء , والكيد والخبث , وأنك تهمسين في آذان أخواتك السود اللواتي بجانبك تحاولين إغراءهن بالتشبه بك , والتردّي بردائك , وكأني بك , وقد أشعلت في هذه البيئة الهادئة المطمئنة حرباً شعواء , وفتنة عمياء , يختلط فيها الرامح بالنابل , والدارع بالحاسر , ويهلك فيها القاعد والقائم , والمظلوم والظالم .
إن كان هذا مصيرك فسيكون شأنك شأن ذلك السائح الأبيض , الذي ينزل بأمّة الزنج مستكشفاً , فيصبح مستعمراً , ويدخل أرضها سلماً ويفارقها حرباً , فأسأل الله لرأسي العافية منك , ولأمّة الزنج السلامة من صاحبك , فكلاكما مشؤوم الطلعة في مقامه وارتحاله , وكوكب النحس في وقوفه وتـَسياره .
أيها الشعرة البيضاء ! ما أنت وما شأنك ؟ وما وفودك إليّ ؟ وما مكانك مني ؟ وما مقامك عندي؟ إن كنتِ ضيفاً فأين استئذان الضيف وتلطـُّفـُه , وتجمُّـله وتودُّده ؟ وإنك كنتِ نذيراً , فأنا أعلم من الموت وشأنه ما لا أحتاج معه إلى نذير , فلم يبقَ إلا أن تكوني أوقحَ الخلائق وجهاً , وأصلبها خدّاً , وأنك قد نزلت من السماجة والفضول منزلة ً لا أرى لك فيها شبيهاً إلا تلك الحيّة التي تلج كل جحر من أجحار الهوام والحشرات تعدّه جحرها , وتحسبه بيتها .
أيبلغ بك الشأن وأنت التي يضربون الأمثال بدقتها وخفائها , ويبعثون الملاقط وراءها فلا يكادون يعرفون السبيل إلى مدارجها ومكامنها , أن تملئي من الرعب قلباً لا يروعه السيف المجرّد , ولا السهم المسدّد ؟
أيها الشعرة البيضاء ! هل لك أن تتجاوزي عما أسأتُ به إليك في إطالة عتبك , واستثقال ظلك ؟ فلقد رجعت إلى نفسي فعلمت أنكِ أكرم الخلائق عندي , وأعظمها شأناً في عيني .
هنيئاً لكِ رأسي مصيفاً ومرتعاً , وهنيئاً لك فـَوْدي مَراداً ومسرحاً , فأنت رسولُ الموت الذي ما زلت أطلبه مذ عرفته فلا أجد له سبيلاً ولا أعرف له رسولاً .
ما الذي يحمله لك في صدره من الحقد والموجدة رجلٌ لم يَنعم بشبابه , فيحزن على ذهابه , ولم يذق حلاوة الحياة , فيجزع لمرارة الممات , ولم يستنشق نسمات السعادة غصناً رطباً , فيأسى عليها عوداً يابساً ؟
ما الذي ينقمه من شؤونك رجلٌ يعلم أنكِ وحيُ الأمل الذي يبشره بقرب النجاة من حياة ليس فيها من السعادة والهناءة , إلا لحظات قليلة يكدّرها ما يحيط بها من الهموم والأحزان , كما تكدّر أنفاسُ الحزن الحارّة صفحة المرآة ؟
أليس كلّ ما أعُدَه عليك من الذنوب أنك طليعة الموت , والموتُ هو الذي يخلصني من منظر هذا العالم المملوء بالشرور والآثام , الحافل بالآلام والأسقام , الذي لا أُغمض عيني فيه إلا لأفتحها على صديق يغدر بصديقه , وأخ ٍ يخون أخاه , وعشير ٍ يحدّد أنيابه ليمضغ عشيرَه , وغنيٍّ يضنُّ على الفقير بفـُتات مائدته , وفقير ٍ يقترح على الدهر حتى بلغة الموت فلا يظفر بأمنيته , وملكٍ لا يفرق بين رعيته وماشيته , ومملوكٍ لا يميز بين مُلك المـَلِـكِ وربوبيته , وقلوبٍ تضطرم حقداً على غير طائل , ونفوسٍ تتفانى قتلاً على لون حائل , وظلٍّ زائل , وغرض باطل , وعقول تتهالك وجداً على نار تحرقها وأنياب تمزقها , وعيون ٍ حائرة في رؤوس طائرة , تنظر ولا ترى شيئاً مما حولها , وتلمع ولا تكاد تبصر ما أمامها , إن كان هذا هو ذنبك عندي فاستكثري من ذنوبك , فإني لك من الغافرين .
أيتها الشعرة البيضاء ! مرحباً بك اليوم , ومرحباً بأخواتك غداً , ومرحباً بهذا القضاء المختبئ وراءك أو الكامن ِ في أطوائك , ومرحباً بتلك الغرفة التي أخلـُو فيها بربي , وآنـَسُ بنفسي , من حيث لا أسمع حتى دويّ المدافع , ولا أرى حتى غبار الوقائع .
أهــلا ً بـوافــدة للشـيـب واحــدةٍ وإن تراءت بشكل ٍ غـَيـر ِ مَوْدُود | |
|
loly angel عضو الماسي
الجنس :
المشاركات : 4845
| موضوع: رد: {{ الشعرة البيضاء }} 22/3/2012, 4:21 am | |
|
كلام جميل جدا هي سنة الحياة ما حدا بيضل شباب
كل انسان بدو ياخد نصيببو من هالدنيا
مشكور لمجهودك
تقبل ورودي
| |
|
ABO ADM المدير العام للمنتدى
الجنس :
المشاركات : 2184
| موضوع: رد: {{ الشعرة البيضاء }} 22/3/2012, 10:27 am | |
| كلامك صحيح 100% شكرا لتواجدك أهلا وسهلا | |
|